في السنوات الأخيرة، أخذ الذكاء الاصطناعي يقفز من كونه مجرد فكرة مستقبلية إلى قوة محركة تقلب حياتنا رأسًا على عقب، وتعيد تشكيل الطريقة التي نعمل ونتعلم بها، والآن وفقًا لشركة “مايكروسوفت”، نحن نعيش بداية ما يسمى “موسم الذكاء الاصطناعي الثاني”، لكن هل هذا يعني أننا على وشك رؤية حقبة جديدة من التحولات التي تتجاوز ما رأيناه حتى الآن؟ وكيف ستنعكس هذه المرحلة على مجالات أساسية مثل التعليم والعمل؟
الذكاء الاصطناعي في التعليم
لم يكن للتعليم أن يتجاهل هذا التحول، حيث أحدث الذكاء الاصطناعي ثورة في الطريقة التي يتعلم بها الطلاب، ففي دول الخليج العربي، تعمل “مايكروسوفت” بجهود مكثفة لتطوير أدوات تعليمية مبتكرة تواكب هذا العصر، من بين أبرز هذه الأدوات، نجد “AI Tutor”، المساعد الافتراضي الذي يقدم للطلاب تجربة تعليمية مخصصة وفقًا لاحتياجاتهم الشخصية، ليس الأمر مجرد تسهيل لحل المسائل الرياضية أو العلمية، بل هو تسريع لرحلة التعلم بالكامل.
المثير في هذا التطور هو أنه يعالج مشكلة طويلة الأمد: اختلاف أنماط التعليم بين الطلاب، بينما كانت الأساليب التقليدية تعاني من قصور في مواكبة تلك الاختلافات، ويأتي “الذكاء الاصطناعي” ليمنح الطلاب الدعم الفردي الذي يحتاجونه، لكن السؤال الذي يطرح نفسه: هل سيسهم هذا التحول السريع في تحسين مخرجات التعليم بالفعل، أم أن هناك تحديات لم تظهر بعد؟
بين الكفاءة والإبداع
وفي حين يعيد الذكاء الاصطناعي تشكيل مستقبل التعليم، فإن تأثيره في مجال العمل لا يقل أهمية، ومن خلال أدوات مثل “كوبايلوت” من “مايكروسوفت”، يعاد تعريف كيفية عمل الموظفين داخل المؤسسات، هذه الأدوات لا تقتصر على تحسين الكفاءة، بل تفتح الباب أمام مستويات جديدة من الإبداع، فالموظفون أصبحوا قادرين على التخلص من المهام الروتينية المملة، وتوجيه طاقاتهم نحو الابتكار وحل المشكلات.
وفقًا لدراسات “مايكروسوفت”، يشعر 90% من الموظفين بأن الذكاء الاصطناعي يمنحهم وقتًا أكبر لأداء مهامهم، ورغم ذلك، يظل هناك تحدٍ كبير: الخوف من أن هذه التقنيات قد تؤدي إلى فقدان الوظائف لتحل محل البشر، فهل سيكون الحل في برامج التدريب وإعادة التأهيل التي تقدمها “مايكروسوفت”، أم أن التحديات ستتجاوز مجرد تحسين المهارات لتطال أسس القوى العاملة نفسها؟
التكنولوجيا في متناول الجميع
تسعى “مايكروسوفت” إلى جعل الـ AI أكثر انتشارًا وأقل تعقيدًا، ليكون في متناول جميع الشركات، بغض النظر عن حجمها، الشركات الناشئة والصغيرة التي كانت تجد صعوبة في مواكبة التطورات التكنولوجية أصبحت الآن قادرة على الاستفادة من أدوات الذَكاء الاصطِناعي بفضل التوسع الكبير في البنية التحتية السحابية، لكن مع سهولة الوصول، تطرح تساؤلات حول كيفية استخدام الشركات لهذه القوة الجديدة، فهل ستتمكن من تحقيق التوازن بين الكفاءة والمسؤولية؟

مايكروسوفت
الاستثمارات الكبيرة في مراكز البيانات الإقليمية مثل تلك التي افتتحتها “مايكروسوفت” في الإمارات وقطر تعزز من هذه الديمقراطية التكنولوجيةـ ومع ذلك، يبقى السؤال: هل سيكون بإمكان الجميع الاستفادة الفعلية من هذه القدرات الجديدة، أم ستظل الشركات الكبيرة تحتكر القوة الحقيقية للذكاء الاصطناعي؟
نحن نقف على أعتاب تحول جديد مع “موسم الذكاء الاصطناعي الثاني” كما تصفه “مايكروسوفت”، لكن مع كل فرصة تأتي تحديات؛ من إعادة تشكيل التعليم والعمل إلى إضفاء الطابع الديمقراطي على التكنولوجيا، إذ يثير هذا التحول العديد من التساؤلات: هل سنتمكن من التعامل مع هذه الثورة الجديدة بحكمة؟ وهل ستتجاوز فائدتها التحديات التي قد تواجهنا؟ فقط الوقت سيكشف لنا ما يحمله “الموسم الثاني”.